في مشهد غير متوقع وصادم لجماهير كرة القدم العربية والإماراتية على وجه الخصوص، أعلن نادي الجزيرة الإماراتي عن إنهاء التعاقد مع المدرب المغربي الحسين عموتة وطاقمه الفني بعد خوض مباراة رسمية واحدة فقط في افتتاح دوري أدنوك للمحترفين. القرار جاء عقب خسارة الفريق أمام خورفكان بنتيجة (3-2)، ليصبح عموتة صاحب أسرع إقالة في تاريخ الدوري الإماراتي، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية، وحول مستقبل الفريق والمدرب على حد سواء.
خلفيات التعاقد مع عموتة
اختيار الجزيرة للحسين عموتة لم يكن اعتباطياً، فالمدرب المغربي يُعتبر من الأسماء اللامعة في القارة الأفريقية والخليج العربي. فقد قاد نادي الوداد البيضاوي المغربي إلى التتويج بدوري أبطال إفريقيا عام 2017، كما أحرز مع المنتخب المغربي للمحليين لقب بطولة الشان مرتين على التوالي. كذلك درّب نادي السد القطري وحقق معه نجاحات لافتة.
التعاقد معه كان يعكس رغبة إدارة الجزيرة في بناء مشروع طويل الأمد يقوم على استثمار خبراته في تكوين فريق قادر على المنافسة محلياً وقارياً.
البداية الصعبة ونهاية سريعة
رغم هذه التطلعات، جاءت البداية مخيبة. ففي الجولة الافتتاحية من الدوري، خسر الجزيرة أمام خورفكان في مباراة لم يقدم فيها الفريق الأداء المنتظر. لم تنتظر الإدارة كثيراً، وأصدرت قرارها المفاجئ بفسخ العقد، لتغلق صفحة عموتة قبل أن تبدأ فعلياً.
هذه النهاية السريعة أعادت للأذهان أسئلة قديمة حول عقلية بعض إدارات الأندية الخليجية التي تتخذ قرارات مصيرية مبنية على نتيجة مباراة واحدة، من دون منح المدرب فرصة حقيقية لتطبيق أفكاره وبناء فريق متماسك.
ردود الأفعال
الجماهير
القرار أثار موجة جدل كبيرة بين الجماهير. قسم منهم اعتبر أن الإدارة استعجلت في الحكم على مدرب صاحب سجل ذهبي، وأن خسارة واحدة لا تعني فشل المشروع. بينما رأى آخرون أن الخطوة كانت ضرورية بعد ظهور الفريق بمستوى ضعيف لا يتناسب مع طموحات النادي.
الإعلام الرياضي
في الصحافة الرياضية، كان هناك شبه إجماع على أن التوقيت غريب للغاية، خصوصاً وأن مرحلة الإعداد للموسم لم تكن كافية للحكم على نجاح أو فشل المدرب. بعض المحللين وصفوا ما حدث بـ"المجازفة غير المحسوبة"، بينما اعتبر آخرون أن الإدارة تعرف ما يحدث داخل النادي أكثر من الجماهير والإعلام.
عموتة والمدرسة المغربية في التدريب
إقالة عموتة أعادت النقاش حول المدرسة المغربية في التدريب، والتي قدمت أسماء لامعة خلال السنوات الأخيرة مثل وليد الركراكي، جمال سلامي، رشيد الطوسي، وغيرهم. هذه المدرسة نجحت في فرض نفسها على الساحة الأفريقية والعربية، بفضل مزيج من الانضباط التكتيكي والقدرة على إدارة المباريات الكبيرة.
لكن تجربة عموتة في الإمارات تثبت أن النجاح ليس مرتبطاً فقط بكفاءة المدرب، بل أيضاً بمدى انسجامه مع إدارة النادي وطموحاتها، وبمدى صبر المسؤولين على النتائج.
مقارنة مع حالات مشابهة
ليست هذه المرة الأولى التي تتم فيها إقالة مدرب بشكل مبكر في الدوريات الخليجية. فقد شهد الدوري السعودي والدوري القطري عدة إقالات مبكرة خلال مواسم سابقة. لكن ما حدث مع عموتة يبقى حالة استثنائية، لأنه لم يحصل حتى على فرصة لخوض أكثر من مباراة.
في المقابل، نجد أن أندية أوروبية كبرى أحياناً تتحمل نتائج سلبية متتالية قبل اتخاذ قرار الإقالة، وهو ما يعكس اختلافاً واضحاً في ثقافة إدارة الأندية بين المنطقة العربية وأوروبا.
مستقبل عموتة بعد الجزيرة
الآن، يبقى السؤال: إلى أين يتجه عموتة بعد هذه التجربة القصيرة؟
-
البعض يتحدث عن إمكانية عودته إلى المغرب، سواء مع الوداد أو الرجاء، أو حتى ضمن الطاقم الفني للمنتخب المغربي.
-
آخرون يرون أن مدرباً بخبرته سيبقى مطلوباً في الخليج، وربما يجد فرصة جديدة في الدوري السعودي أو القطري.
-
هناك أيضاً احتمال أن يفضل التريث قبل اتخاذ أي خطوة جديدة، خصوصاً وأن هذه التجربة قد تترك أثراً نفسياً يحتاج إلى وقت للتجاوز.
تأثير القرار على نادي الجزيرة
أما بالنسبة لنادي الجزيرة، فإن قرار إقالة المدرب في وقت مبكر جداً قد تكون له تبعات سلبية:
-
غياب الاستقرار الفني: الفريق سيدخل في مرحلة انتقالية جديدة مع مدرب آخر، وهو ما قد يؤثر على الانسجام.
-
ضغط على اللاعبين: اللاعبون قد يشعرون بأن الإدارة غير صبورة، وهو ما ينعكس على أدائهم.
-
تحدي اختيار البديل: التعاقد مع مدرب جديد في هذا التوقيت يتطلب دقة كبيرة، لأن أي فشل جديد سيضاعف الأزمة.
الدروس المستخلصة
تجربة عموتة مع الجزيرة تقدم عدة دروس مهمة:
-
أن المدرب مهما كان اسمه وإنجازاته لا يضمن البقاء إذا لم تتوافق نتائجه السريعة مع طموحات الإدارة.
-
أن كرة القدم الحديثة في بعض الدوريات العربية أصبحت أكثر قسوة على المدربين.
-
أن الصبر على المشاريع الفنية قد يكون السبيل الوحيد لبناء فرق قوية على المدى الطويل، كما فعلت أندية أوروبية مثل مانشستر سيتي مع غوارديولا أو ليفربول مع كلوب.
خاتمة
إقالة الحسين عموتة من تدريب نادي الجزيرة بعد مباراة واحدة فقط ستبقى واحدة من أغرب وأسرع القرارات في تاريخ الدوري الإماراتي. قرار قد يبدو مبرراً من وجهة نظر إدارة تبحث عن نتائج فورية، لكنه من دون شك يحمل في طياته الكثير من الجدل والأسئلة حول مستقبل التدريب في المنطقة، وحول طبيعة العلاقة بين الإدارات والمدربين.
في النهاية، يظل عموتة مدرباً كبيراً بتاريخ مليء بالإنجازات، وتجربته القصيرة مع الجزيرة لن تنقص من رصيده، لكنها ستظل صفحة مثيرة للجدل في مسيرته الكروية.
تعليقات
إرسال تعليق